نص المحاضرة التي القيت في ورشة ملتقى الاكاديميين وأصحاب الكفاءات التي اقامها منتدى الجامعيين العراقي الأسترالي يوم الاحد المصادف 31/05/2009 في مدينة سيدني
د. صلاح كَرميان
عند الحديث عن الكفاءات العراقية ودورها في اعادة بناء العراق ، يتعيين أولاً الاشارة السريعة الى الاهمية البالغة لدور الكفاءات العلمية والثقافية والطاقات الابداعية في مجالات الادب والفنون والعلوم الانسانية في تقدم وتطور المجتمعات. فالفارق الحضاري بين الدول المتحضرة التي تتميز بالتطور العلمي والصناعي والتكنولوجي والثقافي وبين الدول النامية التي ماتزال تعاني التخلف وحالة الفوضى التي تهيمن على كل مرافق الحياة فيها، يكمن في استقطاب الكفاءات والعقول بشتى الوسائل من قبل الدول المتطورة ووضعها القوانين والتشريعات التي تشجع أصحاب الكفاءات والمبدعين للعمل والاستقرار فيها، فيما تدفع سياسات البلدان النامية التي لاتولي الاهتمام والرعاية اللازمة لكفاءات ابناءها نحو اهدار العقول وهجرتها، بعد أن كلفت ميزانياتها الملايين من الدولارات لتأهيليهم واعدادهم، وتفشل في الاحتفاظ بهم والاستفادة من طاقاتهم نتيجة سياسات الانظمة الشمولية فيها وسيطرة الايديولوجيات الحزبية على الواقع السياسي وتفشي الظواهر السلبية والامراض الاجتماعية كالمحسوبية والمنسوبية والفساد المالي والاداري.
تدرك دول العالم الاول وبالاخص أمريكا، حقيقة دور الكفاءات وأهميته في التفوق العلمي والتطور الصناعي والتكنولوجي وبالتالي ترسيخ الدعائم الاقتصادية وتعزيز مكانتها الدولية. لذلك شرعت بتخصيص مبالغ ضخمة لاستقطاب العقول من العلماء والمفكرين وأصحاب الخبرات في مجمل المجالات العلمية والاقتصادية والثقافية والفنية، ودأبت على انشاء مراكز للبحوث والدراسات والاهتمام بتطوير الجامعات والمؤسسات العلمية المختلفة التي تجذب مئات الالاف من الطلاب من مختلف بقاع العالم للدراسة فيها لتأهيليهم ومن ثم تقديم التسهيلات لهم لتشجيعهم على البقاء فيها للاستفادة من قدراتهم وكفاءاتهم. فمن بين افضل 500 جامعة في العالم منها 190 جامعة أمريكية بينما لاتوجد بينها جامعة واحدة من بين حوالي 200 جامعة عربية. وأمريكا نافست ولاتزال الدول الصناعية الكبرى في هذا الاتجاه واستقطبت العلماء والباحثين والاطباء والمهندسين من كافة الدول المتقدمة الاخرى بما فيها بريطانيا مهد الثورة الصناعية. فمفهوم (هجرة الادمغة) اطلقه البريطانيون بعدما فقدوا الكثير من الكفاءات في هجرتها الى امريكا.
لا اريد الخوض في تفاصيل هجرة العقول ولكن ارى من الضروري الاشارة الى العوامل الرئيسة التي تدفع أصحاب الكفاءات الى الهجرة ويمكن تحديدها بـ :
العامل السياسي ويكمن في غياب الديموقراطية وتسلط الانظمة القمعية أو الاحزاب السياسية والطائفية التي لاتراعي حقوق الانسان وتعطى الاهمية للانتماءات والولاءات الحزبية وليس لقدرات وكفاءات الفرد.
العامل النفسي بما يتضمنه من حالة الاحباط نتيجة التهميش واليأس من توفر الفرص لتحقيق الذات لدى اصحاب الكفاءات نتيجة المحسوبية والمنسوبية والواسطة وغياب العدالة الاجتماعية وتفشي الفساد.
العامل الاقتصادي ويشمل الرواتب والمحفزات المادية لاصحاب الكفاءات والتي لا تحقق ضمان المعيشة والاستقرار، بالمقارنة بالدول التي تقدم المحفزات المادية المغرية وتضمن لهم العيش بأمان.
لذا ونحن هنا بصدد الحديث عن دور الكفاءات في اعادة اعمار العراق، فانه يجدر بالكفاءات العراقية قبل أن تفكر بالاليات والسبل التي من شأنها المساهمة في اعادة بناء العراق سواءاً بالعودة الى البلد أو بنقل الخبرات والتجارب التي اكتسبتها في بلاد المهجر، فانه يتعيين عليها أولاً العمل والسعي المتواصل والمساهمة الفاعلة في توفير الارضية اللازمة وتحقيق الاجواء الملائمة للعمل الجاد وذلك بمطالبة السلطة السياسية بوضع برنامج وطني طموح لاعمار العراق ودعوة المخلصين من أصحاب الكفاءات داخل البلد وخارجه للمساهمة فيها بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والقومية والطائفية وعلى أساس مبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب. فالتحديات التي تواجه العراق تكمن في الفوضى الادارية والسياسية وتسلط أفراد وجماعات غير قادرة على ادارة شؤون البلاد والتي تعطى الاولوية لمصالحها الحزبية والفردية الضيقة ولاتهمها مصالح الوطن العليا، والتي هي من دواعي الفساد الاداري والمالي المتفشي أعلى المستويات الى أدناها. فلا يمكن والحال هكذا أن يسمح هؤلاء للعقول والكفاءات والطاقات المبدعة في بلدان المهجر بالعودة الى البلد، لانهم يرون في عودتهم تهديد مباشر لمصالحهم ومواقعهم التي تبوؤها نتيجة الاوضاع الشاذة، وحتى لو عادت تلك الكفاءات في مثل هذه الظروف فانهم سوف يعيشون حالة الصراع مع المسؤولين غير الاكفاء المتسلطين على مراكز القرار. ولابد من المطالبة بتطوير الادارات الجامعية واستبعاد المسؤولين الذين عينوا على وفق الولاءات الحزبية والمحاصصة الطائفية، وضرورة اناطة رئاسة الجامعات وعمادات الكليات ورؤساء الاقسام في الجامعات الى أساتذة جامعيين مستقلين من أصحاب الخبرات وبالطرق الديموقراطية. ويتعين على الكفاءات، المطالبة بالعمل على تشريع قانون خاص برعاية الكفاءات العراقية في الداخل أولاً، مع وضع الحلول للمشاكل المتعلقة بعودة كفاءات الخارج بما فيها السكن واحتساب الخدمات الوظيفية بهدف تسهيل عودتهم وضمان استقرارهم، مع معالجة صيغ التعينات والتعاقد معهم للعمل في الجامعات والمؤسسات الثقافية أو في المصانع والمعامل والمشاريع التنموية. وكذلك تقديم الدعم اللازم بتوفير المنح المادية والتسهيلات الضرورية لتأسيس مشاريع متخصصة في المجالات العلمية والاقتصادية بدلاً من اللجوء الى الجهات الاجنبية. وذلك بغية خلق الارضية السليمة لعودة الكفاءات وخلق القناعة والاطمئنان لديهم بوجود المناخ الملائم للاستقرار والعمل دون تدخلات وفرض الوصايات. ولكن مما يؤسف له هو اعطاء الاولوية للاستثمارات والكفاءات الاجنبية وتقديم التسهيلات الضرورية لهم للقيام باقامة المشاريع المختلفة، مثلما تحصل في كوردستان في تنفيذ المشاريع الاقتصادية والسياحية والعلمية، حيث تحال معظمها الى شركات تركية وايرانية واماراتية ولبنانية وتم فتح العديد من الجامعات والمعاهد اللبنانية والتركية هناك، بينما لايرحب بالكفاءات الموجودة في المهجر اذا ما لم يعلن الولاء الى احد الاحزاب السياسية المشاركة في السلطة.
وفي الختام لابد من القول بأن مساهمة الكفاءات في اعادة بناء العراق مرهونة بما تقدمها الدولة من الاهتمام والدعم للكفاءات الموجودة في داخل العراق. فمن العبث الحديث عن عودة كفاءات المهجر، فيما تعيش كفاءات الداخل حالة الاحباط والاغتراب مما يضطر الكثير منهم الى التفكير في ترك الوطن هرباً من تلك الاوضاع، حيث البيئة غير الامنة وتسلط عناصر غير كفوءة على المراكز المهمة والتي لاتروق لها وجود الكفاءات الحقيقية ويعدها بمثابة تهديد لوجودها.
تدرك دول العالم الاول وبالاخص أمريكا، حقيقة دور الكفاءات وأهميته في التفوق العلمي والتطور الصناعي والتكنولوجي وبالتالي ترسيخ الدعائم الاقتصادية وتعزيز مكانتها الدولية. لذلك شرعت بتخصيص مبالغ ضخمة لاستقطاب العقول من العلماء والمفكرين وأصحاب الخبرات في مجمل المجالات العلمية والاقتصادية والثقافية والفنية، ودأبت على انشاء مراكز للبحوث والدراسات والاهتمام بتطوير الجامعات والمؤسسات العلمية المختلفة التي تجذب مئات الالاف من الطلاب من مختلف بقاع العالم للدراسة فيها لتأهيليهم ومن ثم تقديم التسهيلات لهم لتشجيعهم على البقاء فيها للاستفادة من قدراتهم وكفاءاتهم. فمن بين افضل 500 جامعة في العالم منها 190 جامعة أمريكية بينما لاتوجد بينها جامعة واحدة من بين حوالي 200 جامعة عربية. وأمريكا نافست ولاتزال الدول الصناعية الكبرى في هذا الاتجاه واستقطبت العلماء والباحثين والاطباء والمهندسين من كافة الدول المتقدمة الاخرى بما فيها بريطانيا مهد الثورة الصناعية. فمفهوم (هجرة الادمغة) اطلقه البريطانيون بعدما فقدوا الكثير من الكفاءات في هجرتها الى امريكا.
لا اريد الخوض في تفاصيل هجرة العقول ولكن ارى من الضروري الاشارة الى العوامل الرئيسة التي تدفع أصحاب الكفاءات الى الهجرة ويمكن تحديدها بـ :
العامل السياسي ويكمن في غياب الديموقراطية وتسلط الانظمة القمعية أو الاحزاب السياسية والطائفية التي لاتراعي حقوق الانسان وتعطى الاهمية للانتماءات والولاءات الحزبية وليس لقدرات وكفاءات الفرد.
العامل النفسي بما يتضمنه من حالة الاحباط نتيجة التهميش واليأس من توفر الفرص لتحقيق الذات لدى اصحاب الكفاءات نتيجة المحسوبية والمنسوبية والواسطة وغياب العدالة الاجتماعية وتفشي الفساد.
العامل الاقتصادي ويشمل الرواتب والمحفزات المادية لاصحاب الكفاءات والتي لا تحقق ضمان المعيشة والاستقرار، بالمقارنة بالدول التي تقدم المحفزات المادية المغرية وتضمن لهم العيش بأمان.
لذا ونحن هنا بصدد الحديث عن دور الكفاءات في اعادة اعمار العراق، فانه يجدر بالكفاءات العراقية قبل أن تفكر بالاليات والسبل التي من شأنها المساهمة في اعادة بناء العراق سواءاً بالعودة الى البلد أو بنقل الخبرات والتجارب التي اكتسبتها في بلاد المهجر، فانه يتعيين عليها أولاً العمل والسعي المتواصل والمساهمة الفاعلة في توفير الارضية اللازمة وتحقيق الاجواء الملائمة للعمل الجاد وذلك بمطالبة السلطة السياسية بوضع برنامج وطني طموح لاعمار العراق ودعوة المخلصين من أصحاب الكفاءات داخل البلد وخارجه للمساهمة فيها بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والقومية والطائفية وعلى أساس مبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب. فالتحديات التي تواجه العراق تكمن في الفوضى الادارية والسياسية وتسلط أفراد وجماعات غير قادرة على ادارة شؤون البلاد والتي تعطى الاولوية لمصالحها الحزبية والفردية الضيقة ولاتهمها مصالح الوطن العليا، والتي هي من دواعي الفساد الاداري والمالي المتفشي أعلى المستويات الى أدناها. فلا يمكن والحال هكذا أن يسمح هؤلاء للعقول والكفاءات والطاقات المبدعة في بلدان المهجر بالعودة الى البلد، لانهم يرون في عودتهم تهديد مباشر لمصالحهم ومواقعهم التي تبوؤها نتيجة الاوضاع الشاذة، وحتى لو عادت تلك الكفاءات في مثل هذه الظروف فانهم سوف يعيشون حالة الصراع مع المسؤولين غير الاكفاء المتسلطين على مراكز القرار. ولابد من المطالبة بتطوير الادارات الجامعية واستبعاد المسؤولين الذين عينوا على وفق الولاءات الحزبية والمحاصصة الطائفية، وضرورة اناطة رئاسة الجامعات وعمادات الكليات ورؤساء الاقسام في الجامعات الى أساتذة جامعيين مستقلين من أصحاب الخبرات وبالطرق الديموقراطية. ويتعين على الكفاءات، المطالبة بالعمل على تشريع قانون خاص برعاية الكفاءات العراقية في الداخل أولاً، مع وضع الحلول للمشاكل المتعلقة بعودة كفاءات الخارج بما فيها السكن واحتساب الخدمات الوظيفية بهدف تسهيل عودتهم وضمان استقرارهم، مع معالجة صيغ التعينات والتعاقد معهم للعمل في الجامعات والمؤسسات الثقافية أو في المصانع والمعامل والمشاريع التنموية. وكذلك تقديم الدعم اللازم بتوفير المنح المادية والتسهيلات الضرورية لتأسيس مشاريع متخصصة في المجالات العلمية والاقتصادية بدلاً من اللجوء الى الجهات الاجنبية. وذلك بغية خلق الارضية السليمة لعودة الكفاءات وخلق القناعة والاطمئنان لديهم بوجود المناخ الملائم للاستقرار والعمل دون تدخلات وفرض الوصايات. ولكن مما يؤسف له هو اعطاء الاولوية للاستثمارات والكفاءات الاجنبية وتقديم التسهيلات الضرورية لهم للقيام باقامة المشاريع المختلفة، مثلما تحصل في كوردستان في تنفيذ المشاريع الاقتصادية والسياحية والعلمية، حيث تحال معظمها الى شركات تركية وايرانية واماراتية ولبنانية وتم فتح العديد من الجامعات والمعاهد اللبنانية والتركية هناك، بينما لايرحب بالكفاءات الموجودة في المهجر اذا ما لم يعلن الولاء الى احد الاحزاب السياسية المشاركة في السلطة.
وفي الختام لابد من القول بأن مساهمة الكفاءات في اعادة بناء العراق مرهونة بما تقدمها الدولة من الاهتمام والدعم للكفاءات الموجودة في داخل العراق. فمن العبث الحديث عن عودة كفاءات المهجر، فيما تعيش كفاءات الداخل حالة الاحباط والاغتراب مما يضطر الكثير منهم الى التفكير في ترك الوطن هرباً من تلك الاوضاع، حيث البيئة غير الامنة وتسلط عناصر غير كفوءة على المراكز المهمة والتي لاتروق لها وجود الكفاءات الحقيقية ويعدها بمثابة تهديد لوجودها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق